من أفطر في رمضان عمداً وجبت عليه الكفارة: حكمه وأدلته الشرعية
من أفطر في رمضان عمداً وجبت عليه الكفارة: حكمه وأدلته الشرعية
مقدمة
رمضان شهر العبادة والطاعة، وهو ركن أساسي من أركان الإسلام. يُعدّ الصيام عبادة مقدسة شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، وفرضها عليهم في هذا الشهر الكريم. وقد حذر الشرع من انتهاك قدسية هذا الركن، وخاصة الإفطار العمد، لما فيه من استهانة بحرمة الشهر وإخلال بواجب الصيام. سنتناول في هذا المقال حكم من أفطر عمداً في رمضان، مع توضيح الكفارة الواجبة عليه بالأدلة الشرعية.
أولاً: فرضية الصيام
الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة، كما قال النبي ﷺ: "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصيامِ رمضان، وحجِّ البيت" (رواه البخاري ومسلم).
وقد فرض الله تعالى الصيام في شهر رمضان بقوله:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183).
ثانياً: حكم من أفطر في رمضان عمداً
الإفطار عمداً في رمضان يعد كبيرة من الكبائر، وهو فعل محرم بشدة. من أفطر في نهار رمضان متعمداً بلا عذر شرعي، فقد ارتكب معصية تستوجب التوبة، ووجبت عليه الكفارة.
الأدلة من السنة النبوية
قال النبي ﷺ: "من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه" (رواه الترمذي).
الحديث يدل على عظم ذنب الإفطار عمداً بلا عذر، حتى أن قضاء اليوم لا يعادل أجر الصيام الأصلي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: "هلكتُ يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا..." (رواه البخاري ومسلم).
الحديث يبين الكفارة الواجبة على من أفطر بسبب الجماع، وهي أغلظ صور الإفطار العمد.
ثالثاً: الكفارة الواجبة
1. أسباب الكفارة
الكفارة تُفرض على من أفطر في رمضان عمداً بفعل مُفسد للصيام، كالجماع أو الأكل والشرب بدون عذر شرعي.
2. أنواع الكفارة
الكفارة هي عقوبة شرعية لتكفير الذنب العظيم، وتكون كالتالي وفقاً لما جاء في السنة النبوية:
عتق رقبة مؤمنة: إذا كان ذلك ممكناً.
صيام شهرين متتابعين: لمن لم يستطع عتق رقبة.
إطعام ستين مسكيناً: لمن لم يستطع الصيام.
3. تفصيل الأحكام
إذا أقدم الشخص على الجماع في نهار رمضان، وجب عليه الكفارة المغلظة (عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً).
أما من أفطر بالأكل أو الشرب عمداً، فعليه القضاء مع التوبة النصوح، وهناك خلاف بين العلماء حول وجوب الكفارة.
رابعاً: أثر التوبة على من أفطر عمداً
1. ضرورة التوبة النصوح
من أفطر عمداً في رمضان يجب عليه أن يندم على فعله ويستغفر الله بصدق، حيث قال الله تعالى:
"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (النور: 31).
2. شروط التوبة
الإقلاع عن الذنب.
الندم على ما حدث.
العزم على عدم العودة إلى الفعل المحرم.
3. أهمية القضاء
من أفطر عمداً وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها بعد رمضان، مع الحرص على أداءها سريعاً دون تأخير.
خامساً: أثر الإفطار العمد على الصيام
إبطال الصيام: الإفطار العمد يُبطل الصيام، ويُفسد يوم العبادة.
الوقوع في الإثم العظيم: الإفطار في رمضان عمداً يُعتبر استهانة بفريضة عظيمة.
خسارة الأجر العظيم: شهر رمضان فرصة لمغفرة الذنوب وتضاعف الحسنات، والإفطار العمد يحرم المسلم من هذه النعمة.
خاتمة
الإفطار في رمضان عمداً بلا عذر شرعي جريمة عظيمة تحتاج إلى توبة نصوح وكفارة لتكفير هذا الذنب. يجب على المسلم أن يُعظم شعائر الله، وأن يحترم حرمة شهر رمضان، فهو شهر المغفرة والرحمة. قال الله تعالى:
"وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32).
نسأل الله أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه إيماناً واحتساباً، وأن يعيننا على طاعته، ويجنبنا معصيته.