ما يباح للصائم فعله
ما يباح للصائم فعله: أحكامه وأدلته الشرعية
مقدمة:
الصوم عبادة عظيمة شرعها الله سبحانه وتعالى تزكيةً للنفس وتهذيباً لها، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة. وقد جعل الله الصيام سهلاً وميسراً، حيث رخص للصائم في أمور تُعينه على أداء هذه العبادة دون مشقة. وفي هذا المقال سنتناول بالتفصيل ما يباح للصائم فعله أثناء النهار، مع الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة.
أولاً: مفهوم ما يباح للصائم فعله
ما يباح للصائم فعله هو كل ما لا يُنافي حقيقة الصوم ولا يُفسده، أي الأمور التي سمح الشرع بحدوثها أثناء الصوم دون أن تؤثر على صحته أو ثوابه.
ثانياً: ما يباح للصائم فعله مع الأدلة
1. السواك وتنظيف الفم
يُباح للصائم استخدام السواك في أي وقت من النهار، سواء قبل الزوال أو بعده.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يدل على استحباب السواك للصائم وغيره، دون تحديد وقت معين.
2. المضمضة والاستنشاق دون مبالغة
يجوز للصائم المضمضة والاستنشاق أثناء الوضوء، بشرط ألا يُبالغ فيهما حتى لا يدخل الماء إلى الحلق.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" (رواه أبو داود والترمذي).
3. تناول ما يدخل إلى الجوف نسياناً
إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً، فلا حرج عليه وصيامه صحيح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" (رواه البخاري ومسلم).
4. الاحتلام أثناء النوم
الاحتلام لا يُفسد الصوم لأنه خارج عن إرادة الإنسان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجه).
5. الاستحمام والتبرد بالماء
يجوز للصائم الاستحمام أو تبريد جسده بالماء إذا شعر بالحر أو التعب.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "كنت أبل ثوبي وأنا صائم" (رواه البخاري).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم حوض يتبرد فيه وهو صائم" (رواه أبو داود).
6. الحقن غير المغذية
يجوز أخذ الحقن التي لا تُغذي الجسم، مثل الحقن العضلية أو الجلدية، لأنها لا تُعد من المفطرات.
القاعدة الشرعية: "الأصل في العبادات التحريم إلا ما ثبت جوازه بالدليل"، ولا دليل على أن الحقن غير المغذية تُفطر.
7. تذوق الطعام عند الحاجة
يُباح للصائم أن يتذوق الطعام دون بلعه، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن تتذوق المرأة الطعام للتأكد من ملوحته أو جودته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا بأس أن يتذوق الصائم القدر أو الشيء ما لم يدخل حلقه" (رواه البيهقي).
8. استخدام العطور أو الروائح الطيبة
يجوز للصائم شم العطور أو الروائح الطيبة، لأنها لا تؤثر على صحة الصوم.
9. الحجامة أو التبرع بالدم عند الحاجة
جمهور العلماء يرون جواز الحجامة للصائم إذا لم تؤثر على قوته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" (رواه أبو داود والترمذي)،
لكن هذا الحديث يُفهم عند بعض العلماء على الكراهة فقط إذا كان الصائم يخشى الضعف.
10. ابتلاع الريق
ابتلاع الريق أثناء الصيام لا يُفطر، لأنه من الأمور التي لا يمكن الاحتراز عنها.
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن ابتلاع الريق لا يفطر".
11. قضاء الحاجات الطبيعية كالبكاء أو التقيؤ غير العمدي
إذا بكى الصائم أو تقيأ بغير عمد، فصيامه صحيح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقضِ" (رواه أبو داود).
ثالثاً: أهمية معرفة ما يباح للصائم
تخفيف المشقة عن الصائم: بمعرفة ما يُباح له، يتجنب المسلم الحرج والخوف من إفساد صيامه.
الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم: اتباع ما ورد عن النبي يُحقق الكمال في العبادة.
زيادة اليقين في العبادة: يطمئن الصائم إلى صحة صومه بتجنب الشكوك.
رابعاً: الفرق بين المباحات والمكروهات في الصيام
المباحات: أمور يُسمح للصائم بفعلها دون أن تؤثر على صحة صومه.
المكروهات: أمور يُستحب تركها لأنها قد تُضعف أجر الصائم لكنها لا تُبطل الصوم.
خاتمة:
شرع الله الصيام رحمةً بالعباد، وجعل فيه رخصاً ومباحات تُيسر عليهم أداء هذه العبادة. وقد حرص الإسلام على بيان ما يُباح للصائم فعله لتجنبه الحرج أو الوقوع في الوسوسة. لذا يجب على المسلم أن يتعلم أحكام الصيام من مصادرها الصحيحة، ليُقبل صومه تاماً وثوابه كاملاً، والله أعلم.